وقد تنازع الفقهاء هل يجوز تعليلُ الوجود بالعدم، فذهب طوائف من أصحابنا وغيرِهم إلى جواز ذلك، وذهب طوائف إلى أنه لا يجوز. ثم منهم من يقول: يجوز أن يكون العدمُ جزءاً من العلة أو شرطًا، ومنهم من يمنع ذلك، ومنهم من يمنع الجزءَ دون الشروط. وفصَّل أبو الخطاب أن ذلك يجوز في قياس الدلالة بلا ريب، فإن قياس الدلالة المشترك بين الأصل والفرع دليلٌ على العلة وإن لم يُذكَر نفس العلة، والدليل يجوز أن يكون وجودًا وعدمًا، سواء كان المدلول وجودًا أو عدمًا. ومن جعلَ عِللَ الشرعِ كلَّها أماراتٍ ومُعرِّفاتٍ من أصحابنا وغيرهم فجميع الأقيسة عندهم قياس دلالة، وجميع العلل عندهم مجرد أدلة. لكن هذا قول ضعيف.
وأما في قياس العلة فيمتنع أن يكون العدم فاعلاً للوجود، وهذا معلومٌ ببديهة العقل، ولو جاز ذلك لجاز إسنادُ الحوادث إلى معدوم، فامتنع بهذا أن تكون العلة العدمية بمعنى الفاعل علة لوجود.
لكن هل يكون العدم شرطًا أو جزءًا؟ فهذا ينبني على ما تقدم أن العلة إذا عُنِيَ بها الموجبة التامَّة لم يمتنع أن يكون العدم جزءاً منها، وإن عُنِيَ بها المقتضي لم يمتنع أن يكون العدمُ شرطا في تأثيرِها، فإن تأثير السبب المقتضي لأثرِه قد يَقِفُ على انتفاءِ الضدّ المعارض. ثم إنه كثيرًا ما يكون قد انعقدَ سببُ الشيء، وإنما تخلف الحكمُ لمانعٍ [أو] لمعارضٍ، فإذا انتفَى ذلك المانعُ أضِيف الحكمُ إلى انتفاء المانع، وهو في الحقيقة جزء العلة أو شرطها، ويُجعَل علةً في اللفظ عند النزاع،