للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأذان بين التكبير والتهليل، فإن التكبير -وهو قول "الله أكبر"- يمنع كبرَ غيرِ الله، وقول لا إله إلا الله يوجب التوحيد، وهاتان الكلمتان قرينتان، كما قد بينا ذلك في غير هذا الموضع، وبتنّا اقتران التهليل والتكبير كاقتران التسبيح والتحميد.

وقد يقال: الشرك أعمُّ، ولهذا كان هو المقابل للتوحيد، فإن المشرك قد يكون متكبرًا وقد لا يكون، وأما المستكبر فلا بدّ أن يكون فيه شرك، فذَمُّ المشرك يدخل فيه ذمُّ المستكبر من أهل الكتاب، وذمُّ المستكبر لا يدخل فيه ذمُّ المشرك الذي ليس مستكبرًا، ولهذا يُكتفَى بكلمة التوحيد التي هي لا إله إلا الله عن كلمة التكبير، من غير عكس، كما قال تعالى عن النصارى: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢)) (١)، وقال في وصفهم: (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً) (٢)، وقال فيهم: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١)) (٣)، فوصفَهم بالشركِ وتركِ الكبر، وهذا ظاهرٌ من حالِ كثيرٍ منهم أن فيهم شركًا وتواضعًا، لكن الشرك من أعظم الفساد لصاحبه، إن لم يُرِد علوًّا في الأرض فقد أراد فسادًا.

لكن هذا في مشركي أهل الكتاب، إذ الشرك مبتدعٌ في دينهم لا


(١) سورة المائدة: ٨٢.
(٢) سورة الحديد: ٢٧.
(٣) سورة التوبة: ٣١.