للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسادَ تأويلِ اليدِ بما ذكروه فيها من التأويل (١)، ولم نتعرض للتحريم ولا للتحليل. وإذا كان أوَّلُ الكلام وأوسطُه وآخره إنما هو في صحة التأويل المعيَّن والمطلق وفسادِه، فالكلامُ في التحريمِ نفيًا وإثباتًا كلامٌ آخر ليس بواردٍ علينا. ولولا أنّا في هذا المقام غرضنا بيان عدمِ ورود الأسولةِ علينا بالكلية لذكرنا نصوصَ المختلفين، وإنما نؤخر ذلك إلى المقام الثاني إن شاء الله.

إن الأسولةَ تارةً تكون موجَّهةً واردةً، وتارةً لا تكون كذلك، والسؤال الواردُ منه [ما] يُوجبُ انقطاعَ المستدلّ، ومنه ما لا يُوجب انقطاعه، إن أجاب عن ضبط حدود النظر والمناظرة هُدِيَ إن شاء [الله] إلى الهدى والسَّداد، اللَّذَين أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليًّا بمسألتِهما من الله، والغرض الضبط العلمي الديني، لا الضبط العِنادي الذي مضمونُه الكلامُ بلا علمٍ أو عدمُ قصد الحقّ. وأما الاصطلاح المحضُ فأنتَ فيه بالخيار، ويَجِب أن تعرف حقيقة هذا النقل وتدين في قولهم: "الإسنادُ من الدين، لولا الإسنادُ لقال من شاء ما شاءَ" (٢). فإن كان النقلُ مشهورًا -مثل أن يقال: مذهبُ أهل الحديث أنّ الله يُرى في الآخرة، والإيمان بالشفاعة، أو جمهورهم ونحو ذلك- لم يُطلَب في مثل هذا الإسنادُ. فإن نُقِلَ: مذهبُ أهلِ الحديث بأن الله يُرى هو الصحيح، فقد تضمنَ هذا نقلاً وحكمًا، فيجوز أن يُقالَ: لا نُسلِّم أنه هو الصحيح، وقد يقال أيضًا: من أين علمتم؟


(١) انظر "مجموع الفتاوى" (٦/ ٣٦٢ - ٣٧٢).
(٢) قاله عبد الله بن المبارك، كما روى ذلك عنه مسلم في مقدمة صحيحه (١/ ١٥).