للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بذلك منزلتَه، مثل ما ابتُلِي عثمانُ، وبشَّره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة على بلوى تُصِيبه (١). فبهذه البلوى نالَ منزلتَه، إذ لم يكن معه من القوة ما يصبر صبرَ أبي بكر وعمر. وأبو بكر كان أصبرَ من عمر وأعظمَ يقينًا، فلهذا لم يحتجْ إلى مثل الشهادة التي حصلتْ لعمر، وكذلك عليٌّ ثالث الشهداء، أكمل الله بالشهادة أمرَه، وكذلك الحسين وغيرُه، كانت المصائب والشهادةُ في حقِّهم وحقِّ أمثالهم مما أنعمَ الله به عليهم، وبلَّغَهم به من المنازل التي تناسب حالَهم، إذ كان الحسن والحسين لم يحصل لهما من الابتلاء ما حصلَ لأبيهما، لأنهما رُبِّيا في عزّ الإسلام، فابتُلِيا بما رفعَ الله به درجاتهم بحسب حالهم.

وقد قال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: ٤٨ - ٤٩]. وقال: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القلم: ٤٨ - ٥٠]. وقال: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٣٥]. فأمره أن يصبر الصبرَ الاختياري كما صبر أولو العزم، فيصبر لحكمِ ربه: الحكمِ الأمري بامتثال أمر ربه في تبليغ الرسالة ودعوة الخلق وبيانِ ما بُعِث به، والحكمِ المقدَّرِ بأن يصبر على تكذيب المكذّبين وافترائهم عليه وعداوتهم له. قال


(١) أخرجه البخاري (٣٦٩٥) ومسلم (٢٤٠٣) عن أبي موسى الأشعري.