يقيما حدودَ الله، فلم يُبح الله الخلعَ إلاّ عند الحاجة. وكذلك الطلاق، لكن لما أبيح الطلاقُ للحاجة لم يُبَح منه إلاّ الثلاثُ، فإنها قدر الحاجة، وحرَّمها عليه بعد الثالثة، لئلا يكون ذلك مانعًا من استيفاء العدد الذي أبيح رخصةً مع قيام السبب الحاظِر. كما أنه لم يُرخَّص في اقتناء الكلاب إلاّ للحاجة.
فإن قيل: فهلاّ أبيح له بعد الثالثة أن يتزوَّجها بعقدٍ جديد قبل أن تنكح زوجًا غيرَه؟.
قيل: كانت النفوس تطمع في عودها بعد الثالثة باختيار الزوجين، فلم يكن هذا وحده زاجرًا للنفوس عن استيفاء الثلاث، كما بسطناه في موضع آخر. وعلى هذا فيظهر حكمة الشارع في أحكامه، ويتبين تناسب الأصول الشرعية، وما في ذلك من الرحمة والعدل والحكمة، وإلاّ فلماذا جُعِلَتْ هذه الكلمةُ يقع بها الطلاق وهذه لا يقع مع قصد الإنسان للوقوع في الحالين؟ ولماذا حرمت عليه بعد الثالثة؟ ولماذا جُعِل في الظهار الكفارة؟ وقولنا "لماذا" تنبيه على حكمة الشارع وعدله ورحمته، وإن الأقوال التي توافق ذلك هي التي توافق شرعه، دون ما يخالف ذلك من الأقوال المتناقضة.
والمقصود في هذا المقام أن القرآن ليس فيه ما يدل على وقوع الثلاث جملةً. وأما السنة فليس فيها أيضًا شيء من ذلك، بل لا يُعرَف أن أحدًا أوقعَ الثلاثَ جملةً على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأنها وقعتْ به. وما رُوِيَ في ذلك من الأحاديث فهي ضعيفة بل موضوعة كَذِب عند أهل العلم بالحديث، بل قد نُقِل نقيضُ ذلك.
وحديث فاطمة بنت قيس لمَّا طلَّقها زوجُها ثلاثًا إنما كانت الثالثة