للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتنة الفقر (١)، وقال لأصحابه: «واللهِ ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسَط عليكم الدنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فتَنافسوها كما تَنافسوها، فتُهلككم كما أهلكتهم» (٢). وفي رواية: «فتُلْهِيَكم» (٣).

فمن لم يتصف بحقيقة الإيمان هو إما قادرٌ وإمّا عاجز، فإن كان قادرًا أظهرَ ما في نفسه بحسب قدرتهِ من الفواحش والإثم والبغي والإشراك بالله، تكون الدنيا جنتَه بالنسبة إلى ذلك، وذلك أن الكافر صاحب الإرادة الفاسدة إما قادر وإما عاجز، فإن كان قادرًا تعارضتْ إراداتُه حتى لا يمكنه الجمعُ بينها وبينها، ومَلَّ حتى يَقِلَّ التذاذُه بها أو يُعدَم، ولا يمكنه تركُها. ولهذا تجد الملوك من الظالمين أعظمَ الناسِ ضَجَرًا ومللًا وطلبًا لما يُروِّحون به أنفسَهم من مسموعٍ ومنظورٍ ومشمومٍ ومأكولٍ ومشروبٍ، ومع هذا فلا تطمئنُّ قلوبُهم بشيء من ذلك. هذا فيما ينالون به اللذة، وأما ما يخافونه من الأعداء فهم أ عظم الناسِ خوفًا، ولا عيشةَ لخائفٍ. وأما العاجز منهم فهو في عذابٍ عظيم، لا يزال في أسفٍ على ما نابَه وعلى ما أصابه.

وأما المؤمن فهو مع قدرتِه له من الإرادة الصالحة والعلوم النافعة


(١) أخرجه البخاري (٦٣٦٨) ومسلم (٥٨٩) عن عائشة.
(٢) أخرجه البخاري (٣١٥٨، ٤٠١٥) ومسلم (٢٩٦١) عن عمرو بن عوف.
(٣) هي الرواية الثانية لمسلم والبخاري (٦٤٢٥).