فيقال: لأنها هي تحفظ الفطرةَ وتمنع فسادها، واحتاج العبد إلى رعايتها، لأن المحبة الفطرية لا تحتاج إلى تحريك. ولهذا كان أعظم ما دعت إليه الرسلُ الإخلاص والنهي عن الإشراك، لأن الإقرار الفطري حاصل، لوجود مقتضيه، وإنما يحتاج إلى إخلاصه ودفْعِ الشرك عنه. ولهذا كانت حاجة الناس إلى السياسة الدافعة لظلم بعضهم عن بعضٍ، والجالبةِ لمنفعة بعضهم بعضًا، كما أوجبَ الله الزكاة النافعة وحرَّم الربا الضارَّ.
وأصل الدين هو عبادة الله، الذي أصله الحبُّ والإنابة والإعراض عمَّا سواه، وهو الفطرة التي فطر عليها الناس، وهذه المحبة التي هي أصل الدين انحرف فيها فريقٌ من منحرفة الموسوية من الفقهاء والمتكلمين، حتى أنكروها وزعموا أن محبة الله ليست إلّا إرادة عبادته. ثم كثيرٌ منهم تاركون للعمل بما أُمِروا به، فيأمرون الناسَ بالبر وينسون أنفسهم، وهذا فاشٍ فيهم، وهو عدم المحبة والعمل. وفريقٌ من منحرفة العيسوية من الصوفية والمتعبدين، حتى خلطوها بمحبة ما يكرهه، وأنكروا البغض والكراهية، فلم يُنكروا شيئًا ولم يكرهوه، أو قصَّروا في الكراهة والإنكار، وأدخلوا فيها الصور والأصوات ومحبَّة الأنداد.