للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنما كانت بأيدي أهل الذمة، وكان ذلك أيضًا لئلا يَشتغلَ المسلمون بالفلاحة والصغار عن الجهاد. فلمّا كثر المسلمون، وصارَ أكثرُهم غيرَ مجاهدين، وصار أداؤُهم الخراجَ أنفعَ لعمومِ المسلمين من كونها بأيدي الذمة، لم يَصِرْ في ذلك من الصغار ما كان يكونُ في أول الإسلام إلاّ لمن يشتغل بعمارة الأرضِ عن الجهاد. وهذا لا يختص بالخراجية، بل قد رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِكَة فقال: "ما دَخَلَتْ هذه دارَ قويم إلاّ دَخلَها الذُّلُّ ". رواه البخاري (١). مع أن الأنصار كانوا هم الفلأحين لأرضهم، فهذا على الاشتغال بعمارة الدنيا عن الجهاد، وهذا لا يختصُّ بالخراجية.

وأما ما ذكره القاضي من قبولِ شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر (٢)، فلا ريبَ أن الفرقَ هنا ظاهر، وهذا من الاستحسان


(١) برقم (٢٣٢١) من حديث أبي أمامة الباهلي. ولفظه: "لا يَدخلُ هذا بيتَ قومِ إلاّ أدخله الذل". والسكّة هي الحديدة التي تُحرَث بها الأرض.
(٢) انظر ما مضى ص ١٧٥. والمسألة في المغني ٩/ ١٨٢ - ١٨٤ وفيه: "ثبت هذا الحكم بكتاب الله وقضاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقضاء الصحابة وعملهم بما ثبت في الكتاب والسنة، فتعين المصير إليه والعمل به سواء وافق القياس أو خالفه". والآية في سورة المائدة: ١٠٦، واختلفوا فيها على ثلاثة أقوال: فجل العلماء يتأولونها في أهل الذمة، ويرونها محكمة، وقال مالك وأهل الحجاز: هي منسوخة، وناسخها قوله تعالى: (وأشهدوا ذوى عدل منكم) [الطلاق: ٢] وقوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) [البقرة: ٢٨٢]، قالوا: ولا يكون أهل الشرك عدولاً=