للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأناسِيِّ: حركة المَحْمُوم والمَفْلُوج والمُرْتَعِش؛ فإن كل عاقلٍ يجدُ تفرقةَ بديهتِه (١) بين قيام الإنسان وقعوده، وصلاته وجهاده، وزِنَاه وسَرِقَته، وبين ارتعاش المَفْلُوج وانتفاض المَحْمُوم، ويعلمُ أن الأول قادرٌ على الفعل مريدٌ له مختار، وأن الثاني غيرُ قادرٍ عليه ولا مريدٍ له ولا مختار.

والمحكيُّ عن جهمٍ وشيعته الجبريَّة أنهم زعموا أن جميع أفاعيل العباد قسمٌ واحد. وهو قولٌ ظاهر الفساد.

ولِمَا بين القسمين من الفُرقان انقسمت الأفعالُ إلى: اختياريٍّ، واضطراريٍّ، واختصَّ المختارُ منها باعتقاب (٢) الأمر والنهي عليه، ولم يجئ في الشرائع ولا في كلامِ حكيمٍ أمرٌ للأعمى بنَقْط المصحف، أو للمقعَد بالاشتداد (٣)، أو للمحموم بالسُّكون، وشِبه ذلك، وإن اختلفوا في تجويزه عقلًا أو سمعًا، فإنها (٤) منعت وقوعَه وورودَه (٥) بإجماع أولي العقل (٦) من جميع الأصناف.

فإن قيل: هَبْ أن فعلي الذي أردتُه واخترتُه هو واقعٌ بمشيئتي وإرادتي، أليست تلك الإرادة وتلك المشيئة مِن خلقِ الله؟ وإذا خُلِق الأمرُ الموجِبُ للفعل، فهل يتأتى تركُ الفعل معه؟ أقصى ما في الباب أن الأول جبرٌ بغير


(١) (ف): "بديهية".
(٢) (ف): "بإثبات"، تحريف. والاعتقاب هو التعاقب والتناوب.
(٣) أي الجري والعَدْو الشديد.
(٤) الأصل و (ف): "فإنما". والمثبت أشبه.
(٥) ساقطة من (ف).
(٦) (ف): "العقلاء أولي العقل".