الخمرة من اللذة والمنفعة، فكيف إذا أزيل العقل بلا منفعة؟
ولهذا إنما يتولَّهُ أحدُهم إذا لبسه الشيطان، وإن تمكَّن منه صارَ لا يعقل، وإن كان يعتريه بعضَ الأوقات أو يعتريه في حالِ السماع كان بمنزلةِ المجنون الذي يُصرَع في بعض الأوقات. ولهذا يتكلم الشياطين على لسانِ أحدِهم إذا أخذه الحالُ الشيطاني وقتَ السماع، كما يتكلم الجني على لسان المصروع، ويتكلم أحدهم بكلامٍ لا يَعرِفُه بلغاتٍ لا يُحسِنها كما يسمع من المصروع، وإذا فارقَه الحالُ الشيطاني لم يَدرِ ما تكلم على لسانه، ولكن الحاضرون يقولون له: قلتَ كذا وقلتَ كذا، وهو لايعرف بشيء من ذلك، كما يقول للمصروع: قلت كذا وقلت كذا، والمصروع لا يعرف شيئًا مما تكلم به الشيطانُ على لسانِه.
ولهذا لا تأتيهم الأحوال الشيطانية عند أمر الله به ورسوله، مثل الصلوات الخمس وقيام الليل وقراءة القرآن بالتدبر والطواف بالبيت، بل تأتيهم عند المنكرات التي لا يحبها اللهُ ورسولُه. وكلَّما كان الشرُّ أعظمَ كان الحالُ الشيطاني أقوى، فإذا سمعوا مزاميرَ الشيطان، وحرَّكوا الأردانَ، وتراقصوا كالدِّباب، ومزَّقوا الثياب، وارتفعت الأصواتُ كرُغاءِ البعير وخُوارِ الثِّيران، وثارتِ الأرواحُ المنتنةُ وحَضَر النساءُ والمردان= تنزَّلت عليهم الشياطينُ وجُندُ إبليس اللعين، فسقاهم الشرابَ الشيطاني، وسَلَبَهم الحالَ الإيماني، حتى لو أراد أحدُهم أن يذكر الله ويقرأ القرآن ويصلي بخشوعٍ لما أطاقَ ذلك، بل كثير منهم يُعيِّطون في الصلوات بالشَّخير والنَّخِير والصوت الذي يُشبه نَهِيقَ الحمير، وإن