للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس: ٣] والذي خلق السموات هو الذي استوى على العرش، والذي خلق هو نفسُه، والذي استوى هو نفسُه.

وقد ذكر غيرُ واحدٍ إجماعَ أهل السنة والجماعة على أنّ الله نفسه استوى على عرشه موافقًا لما قاله أبو حنيفة. ومَنْ (١) ينازع في ذلك وزعم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لم يعرج به إلى ربه، وزعم أنه ليس فوق السموات ربٌّ يُعبَد، ولا إله يُصلَّى له ويُسْجَد، وأنه ليس هناك إلا العدم المحض والنفي الصِّرْف. وهذا قول الجهمية الضالة الذين يؤول قولهم إلى جَحْد الصانع وإنكار الخالق. تعالى الله عما يقول الظالمون عُلوًّا كبيرًا.

وأما قول الجاهل: إن هذا تشبيه. فيقال له: التشبيه المنفيّ عن الله ليس هو بالموافقة في الأسماء، فإن الله تعالى قد سمى نفسه وسمى بعض عباده فقال: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة: ٢٥٥] وقال: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} [يس: ٧٠] وسمى نفسه: سميعًا بصيرًا، وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ (٢) ... سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ٥٨] وسمى الإنسان: سميعًا بصيرًا فقال: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: ٢] وسمى نفسه


(١) لم يأت جواب الشرط في الجملة، ولعل الفاصل طال على المؤلف فذهل عنه، وهو يُفهم من قوله: "يؤول قولهم إلى جحد الصانع ... ".
(٢) "كان" سقطت من الأصل.