للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

كل مشركٍ فإنه مكذِّبٌ بالآخرة، إذ لو كان مؤمنًا بها لما أشرك بالله شيئًا، وهذا الشرك يدخل في العلم والعمل. ومن فضائل توحيد الإلهية أنه ليس لغير الله مطلقًا ولا مقيَّدًا، وأما توحيد الربوبيةِ فهو لغيره مقيَّدًا، كقول الذين جعلوا لله أندادًا، وقد أخبر عن الكفار أنهم لم يشركوا به في توحيد الربوبية.

فصل

ومما ينبغي أن يُعلم أن كثيرًا من الناس لا يعلمون كونَ الشرك من الظلم، وأنه لا ظلمَ إلا ظلم الحكّام أو ظلم العبد نَفسَه، وإن علموا ذلك من جهة الاتباع والتقليد للكتاب والسنة والإجماع لم يفهموا وجهَ ذلك، ولذلك لم يسبق ذلك إلى فهم جماعة من الصحابة لما سمعوا قوله: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) (١)، كما ثبتَ ذلك في الصحيحين (٢) من حديث ابن مسعود أنهم قالوا: أيُّنا لم يَظلِم نفسه؟! فقال رسول الله: "ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٣)؟ ". وذلك أنهم ظنوا أن الظلم -كما حدَّه طائفةٌ من المتكلمين- هو إضرارُ غيرِ مستحقّ، ولا يرون الظلم إلاّ ما فيه إضرارٌ بالمظلوم، إن كان المراد أنهم لن يضروا دين الله وعباده المؤمنين، فإن


(١) سورة الأنعام: ٨٢.
(٢) البخاري (٤٤٧٦) ومسلم (١٢٤).
(٣) سورة لقمان: ١٣.