للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي تَبينَ دلالةُ الكتاب والسنة عليه وأصول الشرع أنَّ الطلاق المحرَّم لا يَلْزَم كما لا يَلْزَم سائِرُ العقود التي تَنقسم إلى حلال وحرام، كالنكاح الحرام والبيع الحرام، إذا كان التحريم لحقِّ الله، كالنكاحِ في العدّة وبيع الخمر ونحوِها من المحرَّمات، وأما إذا كان النهي لحق آدمي فلو رضي جاز، مثل بيعِ المَعِيْب المدلس، وبيع المصرَّاةِ، وتلقي الجلَب والاشتراء منهم، ونحو ذلك. فهنا أيضًا العقدَ غير لازم، لكن المظلوم يُخير بين الفسخ والإمضاء، فهو موقوفٌ على رِضاه، وقد أعطى النهيَ حقه، فإن المقصود إزالة المفسدة، وذلك يَحصُلُ بتمكينه من الفسخ، وإذا عَلِم أنه مظلومٌ ورضي بذلك جاز، كما لو رضي في ابتداء العقدِ مع علمِه بالعيب والتدليس، فإن هذا جائز بالنص والإجماع.

وهذا هو الجواب في هذا الباب، فإن من الناس مَن جعلَ النهي الذي لحقِّ آدمي يَقتضي فسادَ العقدِ أيضًا، وقال أبو بكر عبد العزيز بذلك في المَعِيْب المدلس، فلما أُورِدَ عليه المصرَّاة سكتَ ولم يُجبْ.

ولو أنهم قالوا: النهي يقتضي هنا مُوجبَه من فسادِ لزوم العقد، فإن العقد لا يقع لازمًا كلزوم العقود الصحيحة، بل للمظلوم الفسخ، لكان هذا عملاً بالنصوص كلِّها وبالإجماع، مع طَرْدِ القاعدة.

وأما من زَعَم أن النهي هنا يقتضي بُطلانَ العقد بالكلية، فهو قول فاسد مخالفٌ للنصّ والأجماع، وهو قولُ من لم يَعرِفْ مقصودَ النهي، وهو إزالةُ الفساد بحسب الإمكان. وهو في مقابلة قول من يقول: إنّ النهي لا يقتضي الفساد أصلاً (١)، ويَحتجُّ بصُوَرٍ متنازعٍ فيها، كطلاق


(١) انظر لمعرفة مذاهب العلماء في هذا الباب: "تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد" للعلائي ص ٢٩٩ وما بعدها.