وكذلك أبو محمد الجويني ذكرَ أنَّ الأشعريَّ خالفَ في مسألةِ الكلامِ قولَ الشافعيِّ وغيرِه، وأنه أخطأ في ذلك.
وكذلك سائرُ أئمةِ أصحابِ مالكٍ والشافعيّ وغيرِهما يَذكرون قولَهم في حَدِّ الكلام وأنواعِه من الأمر والنهي والخبر العامّ والخاصّ وغير ذلك، ويجعلونَ الخلافَ في ذلك مع الأشعري، كما هو مبيَّنٌ في أصول الفقه التي صنفها أئمةُ أصحابِ أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم.
(ثم قال بعدَ ذلك:) ومن قالَ من المعتزلةِ والكُلَاّبيَّة: إنّ القرآنَ المنزَّلَ حكايةُ ذلك، وظَنّوا أنَّ المبلِّغ حاكٍ لذلك الكلامِ، ولفظُ الحكايةِ قد يُرادُ به مُحاكاةُ الناسِ فيما يقولونه ويفعلونَه اقتداءً بهم وموافقةً لهم؛= فمن قال: إنَّ القرآن حكايةُ كلامِ الله تعالى بهذا المعنى، فقد غَلِطَ وضَلَّ ضلالاً مُبينًا، فإنّ القرآنَ لا يَقدِرُ الناسُ على أن يأتوا بمثلِه، ولا يَقدِر أحد أَن يأتي بما يَحكِيْه.
وقد يُراد بلفظ "الحكاية" النقلُ والتبليغ، كما يقال:"فلان حكَى عن فلانٍ أنه قال كذا"، كما يقال عنه:"نقلَ عنه". فهذا بمعنى التبليغ للمعنى. وقد يقال:"حُكِيَ عن فلان أنه قالَ كذا وكذا"، لِما قالَه بلفظِه ومعناه، فالحكايةُ هنا بمعنى التبليغ للفظ والمعنى، لكن يُفَرَّق بينَ أن يقول: حَكيتُ كلامَه على وجهِ المماثلةِ له، وبينَ أن يقول: حكيتُ عنه كلامَه، وبَلَّغتُ عنه أنه قال مثلَ قوله من غيرِ تبليغ عنه، وقد يُرادُ به المعنى الآخر، وهو أنه بَلَّغَ عنه ما قالَه.
فإن أُرِيدَ المعنى الأولُ جازَ أن يُقالَ: هذا حَكايةُ كلامِ فلانٍ،