قال الأولون: وقد قال تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة ٧]، والكفار لم يدخلوا في هذا العموم، فعُلِمَ أنهم خارجون من النعمة. وقد قال في خطابه للمؤمنين:{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}[البقرة: ٥٧]، وقال تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} في آيات كثيرة، وقال:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ}[المائدة: ٧]. وقال:{كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}[البقرة: ١٧٢].
وأما الكفار فخوطبوا بها من جهة ما هي تنعمٌ ولذة وسرور، ولم تُسمَّ في حقّهم نعمةً على الخصوص، وإنما تُسمَّى نعمةً باعتبار أنها نعمة في حق عموم بني آدم، لأن المؤمن سعِدَ بها في الدنيا والآخرة، والكافر تنعَّمَ بها في الدنيا.
وذلك أن كفر الكافر نعمةٌ في حق المؤمنين، فإنه لولا وجود الكفر والفسوق والعصيان، ولولا وجود شياطين الإنس والجن، لم يحصل للمؤمنين من بُغض هذه الأمور ومعاداتها ومجاهدةِ أهلها ومخالفةِ الهوى فيها، ما ينالون به عَلِيَّ الدرجات وعظيمَ الثواب. والإنسانُ فيه قوة الحبّ وقوة البغض، وسعادتُه في أن يُحِبَّ ما يحبُّه الله ويُبغِض ما يُبغِضه الله، فإن لم يكن في العالم ما يُبغِضه ويجاهد أصحابَه لم يَتمَّ إيمانُه وجهادُه، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا