للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغلطوا غَلْطة ثالثة فقالوا: كل من حكم الشارع بكفره في الظاهر (١) فذلك دليل على أنه لم يكن مصدقًا في الباطن.

وهذا مكابرة ظاهرة، فصاروا يقولون: إن إبليس وفرعون وعلماء اليهود وأمثال هؤلاء هم في الباطن جاحدون لوجود الخالق لأنه ثبت أنهم ليسوا مؤمنين في الباطن. والإيمان عندهم مجرد علم القلب، فاحتاجوا إلى نفي هذا.

والتحقيق أن الإيمان الباطن المنجي من عذاب الله لابد فيه من قول القلب، وعمل القلب، فلابد فيه من حب الله ورسوله، ولهذا أطلق أكثر السلف القول بأن الإيمان قول وعمل.

وإذا كان القلب فيه تصديق للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومحبة تامة له فلابد أن يظهر ذلك على الجسد، فإن الإرادة الجازمة مع وجود القدرة تستلزم وجود المقدور، والمحبة الجازمة تتضمن الإرادة الجازمة لتعظيم الرسول وتوقيره. فإذا كان قادرًا على ذلك امتنع أن يصدر منه موالاةُ من عادى الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف يصدر منه شتمه وضربه وقتله طائعًا غير مكره؟

وإذا كان كذلك فمعلوم أن الذنوب كالزنا والسرقة وشرب الخمر تتضمن شهوة ذلك ومحبته، فحب الشهوات من الصور والمطاعم والأموال يُوقِعُه في الزنا والشرب والسرقة. وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٢):


(١) في الأصل: "الباطن"، وهو مخالف للسياق.
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ٢٩١، ٣٩٢، ٤٤٢) والبخاري في الأدب المفرد (٢٨٩،=