للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليم بكل شيء. وهنا لمَّا كان السياقُ يدلُّ على أن المقصودَ الإعانةُ والنصر دل على أن من حكم المعيَّة النصر والمعونة، فقول القائل "أنا معك" معناه: أني مصاحبك ومقارِنُك، وإذا كان كذلك اقتضَى أنّي أعلم حالك، وقد يقتضِي إذًا أنِّي أُعِينك وأنصرك على أعدائك.

وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه كان يقول: "اللهم أنتَ الصاحبُ في السفر، وأنت الخليفة في الأهل، اللهم اصحَبْنا في سفرِنا واخْلُفْنا في أهلنا" (١). وهذا وأمثالُه بيَّن أن لفظ المعية في القرآن ليس فيه هذا التأويل المتنازع فيه، وهو صَرْفُ اللفظ عن الاحتمال (٢) الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليلٍ يَقترِن بذلك، فإن هذا إنما يكون إذا كان ظاهرُ قوله (وَهُوَ مَعَكُمْ) يقتضي أن يكون الله ممتزجًا بنا حَالاًّ في أجوافِنا، أو أن يكون إلى جوانبنا، وليس هذا مدلولَ لفظ المعية أصلًا، فبطل ما قال. بل يُقال:

الجواب الثاني

وهو أن قوله (وَهُوَ مَعَكُمْ) يَدُلُّ على نقيض قولِ الجهمية، فإنه ذكر نفسه وذكر أنه معهم، ولفظ الخطاب -إذا قيل: هم وأنتم ومعكم ونحو ذلك- يتناول ما يتناوله الاسمُ الظاهر، واسمهُم يتناول جميعَ ذاتهم وصفاتِهم فأبعاضهم، وذلك يمتنع (٣) أن يكون في أحدهم شيءٌ من غيره. فإذا كان هو معهم دلَّ ذلك على أنه منفصل عنهم بائن منهم خارج عنهم، كما في نظائرِه. بل قوله "رب الناس" "ملك


(١) أخرجه مسلم (١٣٤٢) عن ابن عمر.
(٢) في الأصل: "احتمال".
(٣) كذا في الأصل، والأولى "يمنع".