للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤)) (١). ففَتَحَ الكلامَ بالعلم وخَتَمه بالعلم.

وأما الخاصّ فكقوله: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (٢)، فهذا بيّن أنه ليس مع الفجّار والظّالمين، ولو كان بذاتِه في كل مكان لكان مخالفًا لهذه الآية.

وكذلك قوله لموسى وهارون: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (٤٦)) (٣)، فهو مع موسى وهارون دون فرعون وقومه.

وكقوله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) (٤)، فهو مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحبه، لا مع الكفّار كأبي جهل وأمثالِه.

فلو كانت المعيَّةُ معناها الاختلاط والامتزاج، وكان في كل مكانٍ بذاته، لم يَجُزْ أن يكون في المعيَّةِ تخصيصٌ. فمن زَعَم أن معناها الامتزاج والاختلاط وأن ظاهرها أن يكون في كل مكانٍ فقد أخطأ، ولكن المعية وإن دلَّت على المصاحبة والمقارنة فهي في كل مكانٍ بحسب ما دلَّ عليه السياقُ. فلما كان في تلك (٥) الآيتين قد افتتح الآية بالعلم وختمَها بالعلم، دَلَّ ذلك على أن من حكم المعية أنه


(١) سورة الحديد: ٤.
(٢) سورة النحل: ١٢٨.
(٣) سورة طه: ٤٦.
(٤) سورة التوبة: ٤٠.
(٥) كذا في الأصل بالإفراد، والأولى "تَينك".