للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيره وجبَ الفرقُ، والمريض تُقبل توبتُه ما لم يُغرْغِر (١) ويُعايِنْ ملك الموت، وإن كان مرضه مخوفًا. فقوم يونس إنما أخبر الله عنهم أنهم لما آمنوا كشف عنهم عذابَ الخِزي في الحياة الدنيا، فبيَّن أن العذاب المكشوف كان مما يُعذَّب به في الحياة الدنيا لم يكن هو العذاب الموجب للهلاك، ولو لم يفسّر ذلك فلفظ العذاب مجمل، والقرآن قد فرَّقَ بين النوعين، فلا يجوز حملُ هذا العذاب على العذاب الموجب للموت الذي لا يقبل معه توبة، فإنّ في هذا مخالفةً لسائرِ آيات القرآن ولحكمةِ الربّ وعدلِه بلا دليلٍ؛ إذ كان اللفظ المجمل لا يعين أحد النوعين، فكيف إذا كان معه ما يقتضي التعيين أنه كان العذاب الأدنى، وإن كانوا قد عاينوه وأصابهم، فالتوبة بعد هذا العذاب مقبولة، فقد أصابَ قومَ فرعون من أنواع العذاب ما ذكره الله، ومع هذا فقد كان يقبل توبتهم لو تابوا ووعدوا بالإرسال، فلما كشف عنهم العذاب نقضوا عهدهم.

وما رُوِي أنه غشِيَهم العذابُ كالغمام الأسود واسودَّتْ أَسْطِحَتُهم (٢) ونحو ذلك الله أعلم بثبوته، فإن هذا لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأكثر ذلك إنما يأخذه المسلمون عن أهل الكتاب، وقد نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نصدِّقهم أو نكذِّبهم. لكن مثل هذا العذاب قد يكون تهديدًا: إن


(١) كما في حديث ابن عمر الذي أخرجه أحمد (٦١٦٠) والترمذي (٣٥٣٧) وابن ماجه (٤٢٥٣). وإسناده حسن.
(٢) انظر: زاد المسير (٤/ ٦٥) والدر المنثور (٧/ ٧٠٧ وما بعدها).