للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا كل ما ثبتَ تحريمُه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد خفي ذلك على بعضِ العلماء، فإنه يذكر تحريمه وما ورد فيه من التغليظ والوعيد، وإن كان المتأول المعذور من العلماء لا يَلحقُه الوعيدُ، بل يغفر الله له لأنه اجتهد فأخطأ، وقد قال تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (١)، وفي الصحيح (٢) أن الله تعالى قال: "قد فعلتُ".

وهكذا ما يَتنازعُ فيه الأئمة من واجبات الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك، إذا تركه التاركُ متأولاً مع قيامِه بالواجبات وتركه للمحرمات لم يكن بذلك فاسقًا بل ولا آثمًا، بل الله يَغفِر له خطأه.

ومع هذا فمن يقول بوجوبه يُبين وجوبَه، ويَذكر ما جاء فيه من الأدلة الشرعية لبيان العلم وإظهارِ السنة، وليتبينَ خطأُ القول المخالفِ للسنة وصوابُ القول الموافق لها، وإن كان المخالفُ مجتهدًا معذورًا، بل يكون المجتهد من أولياء الله المتقين، وعبادِه الله الصالحين، ومن أئمة الدين، والله يَغفِر له خطأه ويَغفِر له ما هو فوقَ الخطأ من الذنوب، إذ لا معصومَ من أن يُقَر على خطأٍ أو ذنبٍ بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإن كان صديقًا أو شهيدًا أو صالحًا، لكن يكونون كما قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (١٦)) (٣).

ووجوبُ الجماعة من هذا الباب، فإن دلائلَ وجوبِها في


(١) سورة البقرة: ٢٨٦.
(٢) مسلم (١٢٦) عن ابن عباس.
(٣) سورة الأحقاف: ١٦.