للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي رواية (١): "لولا ما في البيوت من النساء والذزيّة"، وفي رواية لأبي داود (٢): "ثم أنطلق إلى رجالي يُصلُّون في بيوتهم، فأحرق بيوتهم بالنار". فلما عَلِمَ الصحابةُ هذا الوعيدَ والتهديدَ كان المؤمنون يطيعون الله ورسولَه، والمنافقون يتخلفون عن الجماعة، فأما اليومَ فقد قل العلمُ والإيمانُ، وكثير من العلماء يخفَى عليه بعضُ السنة فضلاً عن غيرهم، فلهذا صارَ يَتْرُكُها مَن ليس بمنافق معلومِ النفاق، لكن هؤلاء يتشبهون بالمنافقين، إذا لم يكونوا منافقين، وهم تاركونَ للسنة المؤكدة باتفاق المسلمين، وإذا أصرُّوا على ذلك رُدَّتْ شهادتُهم، بل يُقاتَلُون في أحد القولين، وهذا عند من لا يقول بوجوبها.

فأما من قال بوجوبها فإنه يُقاتِلُ تاركَها، ويُفَسقُ المصرِّينَ على تركها إذا قامتْ عليهم الحجةُ التي تُبِيْحُ القتالَ والتفسيقَ، كما يُقاتَل أهلُ البغي بعد إزالةِ الشبهة ورَفْع المَظْلمة، بل العلماءُ قد يُعاقِبون مَن تركَ واجبًا أو فَعَل محرما وإن كان متأولا، كما قال مالك والشافعي وأحمد في شارب النبيذ المتأول أنه يُجلَد وإن كان متأولاً، والشافعي لا يردُّ شهادتَه بذلك، ومالك يردُّها، وعن أحمد روايتان. وكذلك البُغاةُ المتأولون إذا قاتلوا، كما قاتلَ علي بن أبي طالب لأهل الجمل وصفين، فإنهم عند الأئمة الأربعة لا يُفَسَّقون بذلك البغي، لأنهم كانوا فيه متأولين وإن قُوتلوا.


(١) لأحمد (٢/ ٣٦٧).
(٢) برقم (٥٤٨، ٥٤٩).