للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا) (١)، وقال: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (٢٠) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ) (٢).

والماء وإن كان مادة الحياة، فالنار أيضا كذلك، ولهذا فيها من الحركة والشوق والإرادة ما يستلزم الحياة، لكن الماء فيه برودة ورطوبة يحصل به الإحساس الذي لا بدَّ فيه من لين، والنار فيها الحرارة التي توجب العمل، والإرادة التي لا بدَّ فيها من حركة، فهذا مادة الإحساس، وهذا مادة الحركة الإرادية، والحياة مستلزمة لهذا ولهذا، فإن الحي المطلق لا يكون ... (٣)، ولهذا يجمع الله بين حقيقة هاتين النعمتين والآيتين اللتين بهما يكمل الموجود فيما ينزله على رسله، وما خاطبت به الرسل لقومها، بل أول ما يعرف به آياته أسباب الحياة والهداية، فأول ما أنزل الله على نبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)) (٤)، فذكر الخلق والهداية عموماً وخصوصاً، وذكر خلق الإنسان من علق، إذ هو في هذا الطور يصير حيّا، كما قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " يُجمَع خَلْقُ أحدِكم في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك، فيؤمر بأربع


(١) سورة الأنعام: ١٢٢.
(٢) سورة فاطر: ١٩ - ٢٢.
(٣) هنا بياض في الأصل بقدر كلمة.
(٤) سورة العلق: ١ - ٥.