للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك يدل على أن التائب قد يُؤمَرُ بجهادٍ تعرض به نفسه للشَّهادة.

فإن قيل: قد قال الله تعالى: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) إلى قوله: (الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ) (١). وقد قالوا: إنَّ ما أَمَرَ به من مُصابرة الضعف (٢) في هذه الآية ناسخٌ لما أَمَرَ به قبل ذلك من مُصابرة عشرة الأمثال.

قيل: هذا أكثر ما فيه أنه لا تجب المُصابرة لما زاد على الضِّعف، ليس في الآية أن ذلك لا يُسْتَحَبُّ ولا يجوز.

وأيضًا فلفظُ الآية إنما هو خبرٌ عن النَّصر مع الصَّبر، وذلك يتضمن وجوب المُصابرة للضَعف، ولا يتضمَّن سقوطَ ذلك عما زاد عن الضِّعف مطلقا، بل يقتضي أن الحكم فيما زاد على الضعفين بخلافه، فيكون أكمل فيه، فإذا كان المؤمنون ظالمين لم يجب عليهم أن يُصابِروا أكثر من ضعفيهم، وأما إذا كانوا هم المظلومين وقتالُهم قتال وَقَعَ عن أنفسهم فقد تجب المصابرةُ كما وجبت عليهم المُصابرة يوم أُحد ويوم الخندق، مع أنَّ العدو كانوا أضعافهم. وذَمَّ الله المُنْهَزِمين يوم أُحد والمُعْرِضين عن الجهاد يوم الخندق في سورة آل عمران والأحزاب، بما هو ظاهر معروف.


(١) سورة الأنفال: ٦٥ - ٦٦.
(٢) في الأصل: "الضعيف" تحريف.