في ضمان المشتري، لأنه تَلِفَ بعد القبض. وأما أبو حنيفة فمذهبُه أن التبقية ليست من مقتضى العقد، ولا يجوز اشتراطُها. والأولون يقولون: قبضُ هذا بمنزلةِ قبض المنفعة في الإجارة، وذلك ليس بقبضٍ تامّ يَنقُل الضمان، لأن القابضَ لم يتمكن من استيفاء المعقود عليه. وهذا طَردُ أصلهم في أن المعتبر هو القدرة على الاستيفاء المقصود بالعقد، ولهذا يقولون: لو أن المشتري فرَّطَ في قبض الثمرة بعد كمالِ صلاحِها حتى تَلِفَتْ كانت من ضمانه، كما لو فرَّط في قبض المعيّن حتى تَلِفَ، وهذا ظاهرٌ في المناسبة والتأثير، فإن البائع إذا لم يكن منه تفريطٌ فما يجب عليه.
(ثم قال:) ولهذا اتفقوا على مثل ذلك في الإجارة، فإن المستأجر لو فرَّط في استيفاء المنافع حتى تَلِفَتْ كانت من ضمانِه، ولو تَلِفَتْ من غيرِ تفريط كانت من ضمان المؤجر، وفي الإجارة إذا لم يتمكن المستأجرُ من ازدراع الأرض لَافة حصلتْ لم يكن عليه الأجرة، وإن نَبَتَ الزرعُ ثمَّ حصلت آفةٌ سماوية أتلفَتْه قبل التمكن من حَصادِه ففيه نزاع.
(ثم قال:) وأصل مسألة ضمان البساتين هو الفرق بين البيع والإجارة، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الثمرة قبلَ أن يبدوَ صلاحُها، ونهى عن بيع العنب حتى يَسْودَّ، وعن بيع الحبِّ حتى يَشتدَّ، ولم يَنْهَ عن الإجارة ولا عن المساقاة والمزارعة. فالمساقاةُ والمزارعة نوعٌ من المشاركة، وهي جائزةٌ بسنة رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وباتفاق أصحابه وبالقياس، ويجوز ذلك على جميع الشجر، ويجوز على الأرض البيضاء والأرض