للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت القدرية: ما أراد منهم كلهم إلا العبادة، لم يُرِدْ غيرَ ذلك، لكن منهم من خالف مرادَه كما عصى أمرَه، ومنهم من لم يخالف.

فقيل لهم: ولِمَ خلقَهم للعبادة؟

فقالوا: لنفعهم.

قيل لهم: فقد أراد ما علم أنه لا يحصل.

وقيل لهم: لأيِّ شيء أراد نفعَهم؟ فاضطربوا.

ثم قيل لهم: فلِمَ لا أعانَهم على مراده؟

فقالوا: استفرغ وسعه، ولم يُمكِنه أن يجعل لهم إرادة، وإنما أمكنه أن يجبرهم ويضطرَّهم إلى الإيمان والعبادة، وتلك لا تنفعهم. وأما العبادة الاختيارية فلا يقدر عليها إلا هم، ولا يفعلها إلا هم. والتزموا من اللوازم الفاسدة ما يطول وصفه، وردّ الناس عليهم ردودًا يطول وصفها.

وقيل لهم: وقد قال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا) (١)، وقال: (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) (٢)، قال جمهور السلف: ما دلَّ عليه الخطاب: خلقَ فريقًا للرحمة، وفريقًا للاختلاف.

فقالوا: هذه لام العاقبة والصيرورة، لا لام الغرض والقصد


(١) سورة الأعراف: ١٧٩.
(٢) سورة هود: ١١٨، ١١٩.