للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعلم منهم، لكن علمه ضار، فإنه كان مستيقنًا بأن للعالمين رب (١)، كما قال له موسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: ١٠٢]، لكن كان مع علمه معاندًا، فهو أصحّ منهم علمًا وأعظم كفرًا وعنادًا. وهؤلاء أضرُّ منه على الأمة لكن فيهم نوع من الإيمان والإقرار. وقد يكون لما جحد فرعون فهم ضالون لا جاحدون.

وهؤلاء أقرُّوا باسمه وبالتعبد له، وجعلوه هو المخلوقات، وهي إياه، وصرَّحوا بأن من عبدَ الشمسَ والقمرَ والطواغيتَ فما عبد إلا الله، ولا يُتصور أن يُعبَد إلّا الله، وأن العابد هو المعبود ولكن دار على نفسه. وزعموا أنه هو الذي جاءت به الرسل والأنبياء وكبار العارفين، فهم من هذا الوجه أضرُّ على الناس من فرعون. كما يذكره ابن العربي في «فصوص الحكم»، ويذكره القونوي في «مفتاح غيب الجمع والوجود»، وكما يذكره العفيف في «شرح الأسماء الحسنى» وفي «شرح قصيدة ابن الفارض» وفي أشعاره. وإن كان ابن العربي يرى أن المعدوم شيء ثابت في العدم، كقول من يقول ذلك من المعتزلة والرافضة، ويرى أن عين وجود الحق فاض عليهم، فيرى أن وجود الكائنات عين وجود الحق، وأن الناكح هو المنكوح، والشاتم هو المشتوم. وكما قال بعضهم: من قال لك إن في الكون سوى الله فقد كذب، فقال له صاحبه: من الذي كذب؟


(١) كذا في الأصل.