للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: المنهي عنه إذا كان سببًا للإباحة فينبغي أن لا يُباح له، لأن المعصية لا تكون سببًا للنعمة، وأما إذا كان سببًا لإيجاب أو تحريم فإنه يصحّ، كالنذر والظهار، فإنه نُهِي عن النذر وانعقد، ونُهِيَ عن الظهار وانعقد.

قيل: أما الظهار فقد تقدم القول فيه، وبيّنّا أنه نفسه قولٌ منكر وزُورٌ، وأنهم كانوا يجعلونه طلاقا، فأبطل الشارع ذلك، وذكرنا أن هذا مما يَحتجُّ به من يقول "النهي يقتضي الفساد"، حيث لم يُوقع الطلاق. وأما إيجاب الكفارة فيه فلكونه أتى بالمنكر من القول والزور، والكفارة قربة وطاعة، كما أوجب الكفارة في نظائر ذلك من الأمور المنهي عنها، كالجماع في رمضان وغيره.

وأما النذر فإنه يمين، وهو حجة لنا، فإنه إذا نذرَ ماليس بقربة لم يلزمْه، بل يُجزِئه كفارة يمين. وأما إذا نذرَ القُرَب فالقُرَب يحبُّها الله ورسوله، وإنما نُهِي عن النذر لاعتقاد أنه يَقضِي حاجتَه، لا لكون المنذور مكروها. وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنه يُستَخرج به من البخيل" (١)، والاستخراج من البخيل مما يُحِبّه الله ورسوله، فلم يَحصُل بانعقاد النذر إلاّ ما يُحِبُّه الله ورسولُه، لكن يُخَافُ عليه أن لا يُوفِيَ. كما أن المُحرِمَ قبل الميقات يُخَاف عليه أن يرتكب المحظورات، وكذلك الشارع في التطوعات يُخاف عليه أن لا يأتي بها، وما كان مُفضِيًا إلى الطاعة لم يَبطُل خوفًا من عدم الإتمام، بل قد يأمر بإتمامه، كما قال تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (٢).


(١) أخرجه البخاري (٦٦٠٨،٦٦٩٢،٦٦٩٣) ومسلم (١٦٣٩) عن ابن عمر.
(٢) سورة البقرة: ١٩٦.