للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا) (١). وقوله: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) (٢). والآيات في هذا كثيرة.

وهؤلاء الذين قالوا: إن الظلم إضرار غير مستحق، قصدوا بذلك الظلم المعروف بينهم، وهو ظلم العباد الذين يتضررون بالظلم في حقوقهم. وأما الظلم في حق الله تعالى فلم يستشعروه ولم يقصدوه، ولعلهم لا يعدُّونه ظلمًا، كما هو في أكثر النفوس العامية، بناءً على أن الله غني لا يلحقه ضرر، لكن أكثر هؤلاء مع هذا يوجبون شكره على إحسانه إليهم بالعقل المجرد قبل ورود شرع إذا فُرِضَ خُلُوُّ العباد عن شرع يجعلون العقل معرِّفًا لوجوب ذلك معً الشرع، كما تُعرف بالعقل أمورٌ كثيرة تُعرف بالشرع أيضًا، مع علمهم بأنه سبحانه لا ينتفع بشكر الشاكرين، ولا يتضرر بكفر الكافرين. ومعلومٌ أن تركَ الحق الواجب ظلمٌ، فيناسب أصولهم أن لا يكون الظلم مجردًا لإضرار غير المستحق، بل يدخلُ فيه تركُ ما يُحَبّ لذاته وفعلُ ما يقبح لذاته عندهم. ولهذا يقولون: إنه عُرِف بالعقل أن الظلم من الله قبيح وإن كان لا يتضرر بفعله. وهذا فيه حقٌّ، لكنهم يعنون بذلك أن الظلم منه نظير الظلم من العباد بعضهم بعضًا، فيجعلون لله أندادًا، ويُمثلونَه بخلقِه، ويَضرِبون له الأمثال، ومن هنا وقعوا في الضلال، وصاروا من القدرية المجوسية المنكرين لمشيئته النافذة وقدرته الكاملة وخلقه للأفعال. ومنهم من ينكر علمه القديم وكتابه المحيط بجميع الأحوال.


(١) سورة النمل: ٨٥.
(٢) سورة القصص: ٤٠.