للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اجتماعُ معلولاتٍ لا تتناهى في آن واحد، وهذا محال كاستحالة اجتماع علل لا تتناهى.

ثم إن ثبوت هذا فطري، كثبوت الواجب الوجود بنفسه. وإذا كان وجود المقصود لنفسه- وهو المعبود- ضروريًّا (١) في وجود الحركات كلها، إذ جميع الحركات إنما تصدر عن إرادة، فإنها ثلاثة: قَسْرِي، وطبعي، وإرادي. أما القسري فتابعٌ للقاسر، وأما الطبعي فإنما يتحرك إذا خرج عن مركزه، فهو فرع على غيره. وإذا كان كل من الحركتين الطبعية والقسرية تابعًا للغير وفرعًا عليه ومستلزمةً له، فلا بد من الحركة الإرادية، فتكون هي الأصل.

وإذا ثبت أن جميع الحركات صادرة عن الإرادة، وثبت أنه لا بد في الإرادة من مقصود معبود، وتبين أن ما يتعقبه عدمٌ من اللذات الموجودات لا يجوز أن يكون مقصودًا لذاته، ثبت أن المقصود المعبود لذاته يجب أن يكون باقيًا أبديًّا، كما ثبت أن الموجود بنفسه يجب أن يكون قديمًا أزليًّا. كما قال الخليل عليه السلام: (لَاَ أُحِبّ اَلأَفِليِنَ) (٢).

ثم إنه كما امتنع أن يكون المخلوق ربًّا خالقًا، يمتنع أن يكون إلهًا معبودًا من جهة كونه لا يستقل بجلب المنافع ودفع المضار، ومن جهة أنه في نفسه يمتنع أن يكون هو الغاية المقصودة لغيره بالأفعال، وذلك لأنه هو في نفسه ليس الغاية المقصودة لفاعله، ولا هو أيضًا الغاية المقصودة لفعله، فإنه يمتنع أن تكون ذاته هي الغاية المقصودة له.


(١) الأصل "ضروري".
(٢) سورة الأنعام: ٧٦.