المؤمنين، فهو يرحم من يحبه أولئك، ومن يحبه أولياؤه، وإذا كان كذلك كانت محبته لما أحبه من الأعيان والأعمال ومحبته لمن يحبه تبعًا وفرعًا لمحبته لنفسه بطريق الأولى والأحرى، وذلك يتبيّن من وجوه:
أحدها: أن كل محب فإما أن يحب الشيء لذات المحبوب أو لذات نفسه، فيحبه لمحبته لنفسه، والفرق بين الموضعين أن الأول يتنعم بنفس المحبوب، والثاني يتمتع بما يصل إلى نفسه من نفع المحبوب. فهذا أحَّط النفعَ الواصل، فكانت ذات ذلك وسيلة إليه لا غرض له فيها، بحيث لو حصل النفع بدونه لم يكن له بذاته محبة، وذاك أحبَّ نفسَ المحبوب، لا لأجل نفع يصل إليه سوى نفعه وانتفاعه بذاته، كما تنعَّم ذلك وانتفع بما وصل إليه من المحبوب، وهذا شبيه بمن يحب إحدى زوجتيه لتمتعه بجمالها، ويحب الأخرى لكونها تنفق عليه مالها، ويحب شخصًا لما فيه من العلم والدين، ويحب آخر لكونه محسنًا إليه. وقد جُبلَت القلوب على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها.
وإذا تبيّن ذلك فالله سبحانه إذا أحب شيئًا، فإن أحبه لأجل نفسه تعالى وجب أن تكون نفسه هي المحبوبة، حتى يصح أن يحب الغير لأجلها، ولا يمتنع أن يحب شيئًا لأجل شيء إن لم تكن الغاية هي المحبوبة ابتداءً.
وهكذا كل من فعل شيئًا لكذا، فإنه يحب أن يكون المفعول له هو المراد ابتداءً، وهذه هي العلة الغائية، وهي متقدمة في الإرادة