للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقصد، ولكونها مرادة ابتداءً صار الفعل المؤدي إليها مرادًا، وإن قُدّر أنه تعالى يحب شيئًا لذات ذلك الشيء، فمن المعلوم أنه هو الذي خلق تلك الذات، وجعلها على الوجه الذي يحبه هو، فإذا كان محب المحبوب محبوب (١)، فكيف بفاعل المحبوب ومُبدِعه وخالقه؟ فقد وجب أن تكون محبته لنفسه هي الأصل في القسمين، في الأول من جهة الغاية، وفي الثاني من جهة السبب، من جهة الألوهية، ومن جهة الربوبية.

الوجه الثاني: أنه يحب من يحبه، ومن يتقرب إليه بما يحبه، كما ثبت ذلك بنصوص الكتاب والسنة، ومحبة محبِّ الشيء ومحبة المتقرب إلى الشيء والساير في مراضي الشيء، تبع وفرع على محبة ذلك الشيء محبوبًا، امتنع أن يحب محبه (٢)، ويحب من يتقرب إليه بمحابه، ويسعى في مراضيه، وإذا كان الله يحب من يحبه، ومن يتقرب إليه بمحابه ويسعى في مراضيه، كان هو أحقَّ بأن يكون هو المحبوب لنفسه المرضي، إذ هو المحبوب المقصود بالقصد الأول.

الوجه الثالث: أنه يبغض ويمقت أعيانًا وأفعالاً، والموجود لا يُبغض إلا لكونه مانعًا من المحبوب. وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع في "قاعدة المحبة" (٣)، وبيَّنا أن البغض تبعٌ للحب، وأن الحب هو الأصل، فإذا كان بغضه لأمور مستلزمًا محبته لأضدادها، فمحبة تلك الأمور مستلزمةٌ محبتَه لنفسه، كما تقدم.


(١) كذا في الأصل مرفوعًا.
(٢) كذا في الأصل، ولعل هنا سقطا.
(٣) في "جامع الرسائل" (٢/ ١٩٣ وما بعدها).