للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحق الذي يجب اعتقادُه أن الله سبحانه إنما أرسلَ رسولَه رحمةً للعالمين، وأن إرسالَ الرسل وإنزالَ الكتب رحمةٌ عامَّةٌ للخلق [أعمُّ] من إنزال المطر وإطلاع الشمس، وإن حصل بهذه (١) الرحمة تضرُّرُ بعض النفوس.

ثم إنه سبحانه وتعالى كما قال قتادة وغيره من السلف: لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجتِه إليه، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلًا به، بل أمرهم بما فيه صلاحُهم، ونهاهم عما فيه فسادُهم. وفي الحديث الصحيح (٢) حديثِ أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله تعالى: يا عبادي! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تظالموا، يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمتُه، فاستطعموني أُطعِمكم، يا عبادي! كلكم ضالّ إلا من هديتُه، فاستهدوني أَهْدِكم، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضرّي فتضرُّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسَكم وجنّكم كانوا على أتقى قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم اجتمعوا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كلَّ إنسان منهم مسألتَه ما نقصَ ذلك من ملكي إلا كما ينقصُ البحر إذا غُمِسَ فيه المِخْيَطُ غمسةً واحدةً، يا عبادي! إنما


(١) في الأصل: «بهذا».
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٧٧).