للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم لما صار مثلُ هذا يُدَّعَى ادَّعَى ابنُ التومَرْتِ صاحبُ "المُرشِدة" أنه المهدي الذي بَشَّر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان يقال في الخطبة له: "المهدي المعلوم" و"الإمام المعصوم" حتى رُفِعَ ذلك.

وصار من الغلاة في مشايخهم يعتقد أحدُهم في شيخه نحوَ ذلك، فإمّا أن يقول: هو معصوم، أو يقول: هو محفوظ، والمعنى عنده واحد، وإمّا أن يُنكِر ذلك بلسانِه ولكن يُعامله معاملةَ المعصوم.

فهؤلاء إذا كان أحدهم يعتقد في بعض الرجال المؤمنين أنهم معصومون من الذنوب بل ومن الخطأ، كيف لا يعتقدون ذلك في الأنبياء؟ فغُلوُّهم فيمن غَلوا فيه من أئمتِهم أهلِ المشيخةِ أو النسبِ يُوجب عليهم أن يَغْلُوا في الأنبياء بطريقِ الأولى، فإن كان من المسلمين اعتقدوا أن الأنبياء أفضلُ منهم، وإن كانوا ممن يَعتقد في الشيخ والإمام أنه أفضل من النبي - كما يقول ذلك المتفلسفةُ والشيعةُ وغلاةُ المتصوفةِ الاتحاديةِ وغيرِ الاتحادية - فهم لابدَّ أن يُقِرُّوا الغُلُوَّ في الأنبياء حتى تُوافِقَهم الناسُ على الغُلُوَ في أئمتِهم.

وهذا كلُه من شُعَب النصرانية الذين وَصفَهم الله بالغلو في القرآن، وذمَّهم عليه ونهَاهم فقال: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لله وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ