للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَحمِلُه الجن والشياطين، يَحمِلُونهم إلى عرفات ثمّ يَرُدُّونهم، فهؤلاء ضالُّون مبتدعون خارجون عن شريعة الإسلام، وإن كانوا وقفوا بعرفاتِ بغيرِ إحرامٍ وفي غيرِ حجّ، ولم يفعلوا ما أمر به المفيضون من عرفات بعد ذلك.

والوقوفُ بعرفاتٍ لا يكون قط مشروعًا إلاّ في الحج باتفاق المسلمين، في وقتٍ معين على وجهٍ معين، فمن قال: أَقِفُ ولستُ بحاجّ فقد خرجَ عن شريعة المسلمين، بل إن اعتقد ذلك دينا لله مستحبًّا فإنَّه يُستتابُ، فإن تابَ وإلاّ قُتِلَ. وإن قال: ليس بدينٍ لله ولا هو مستحب، قيل له: إنما فعلتَ على وجهِ التديُّن والتعبد به، وهذا لا يجوز. وإن كنتَ فعلتَه على سبيل التنزه والتفرُّج فهذا شَرٌّ وشَرٌّ.

والحج والعمرة لهما شأن يميزهما، فيلزمان بالشروع، كما قال: (وأتموا الحج والعمرة لله) (١)، فمن دخلَ فيهما لم يكن له الخروج، فالواقفُ بعرفةَ عليه إتمامُ الحج وإن كان متطوعًا، وليس له أن يَقِفَ ويَنصرِفَ باتفاق المسلمين.

فهذا الذي حَملتْه الجن إلى عرفةَ ثم منها إلى بلده، قد تركَ ما أمر الله به قبلَ الوقوف وبعدَ الوقوف وحالَ الوقوف، حيث وقَفَ بثيابه من غير إحرام. ولو قُدِّرَ أنه وَقَفَ بعرفةَ ومزدلفةَ ومنى كان قد تركَ ما يجب عليه من الإحرام، وفعل ذلك في ثيابه بغير عُذْرٍ. وهذا لا يجوز بالنص والإجماع.

ولهذا يُذكَر عن بعض المحمولين إلى عرفةَ من بلدٍ بعيدٍ - إمّا الإسكندرية أو غيره - أنه رأى في منامه وهو هناك ملائكةً تَنزِلُ تكتُبُ


(١) سورة البقرة: ١٩٦.