للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

* وأما السؤال عن الله تعالى هل أراد المعصية من خلقه أم لا؟

فالجواب: أن لفظ «الإرادة» مجمل له معنيان: فيقصد به المشيئة لما خلقه، ويقصد به المحبة والرضى لما أمر به. فإن كان مقصود السائل أنه أحبّ المعاصي ورضيها أو أمر بها، فلم يرِدْها بهذا المعنى؛ فإن الله لا يحبّ الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يأمر بالفحشاء، بل قد قال لما نهى عنه: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيّئةً (٢) عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: ٣٨].

وإن أراد أنها من جملة ما شاء الله خَلْقَه (٣)، فالله خالق كل شيء، وما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون في الوجود إلا ما شاءه. وقد ذكر الله في موضع أنه يريدها، وفي موضع أنه لا يريدها، والمراد بالأول أنه شاءها خلقًا، والثاني أنه لا يحبها ولا يرضاها ولا أمر بها، قال الله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: ١٢٥]. وقال نوح: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: ٣٤].


(١) هذا السؤال في «مجموع الفتاوى»: (٨/ ١٥٩ - ١٦٠).
(٢) كتبت في الأصل بتاء التأنيث، وهي قراءة أبي جعفر ونافع وابن كثير وأبي عمرو ويعقوب، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف: {سَيِّئُهُ}. انظر «المبسوط» (ص ٢٢٨) لابن مهران.
(٣) (ف): «جملة ما شاءه وخلقه».