للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا المعنى يفهمه من الكلام كلُّ أحدٍ صحيح الفطرة، لكن لما وقع في بعض القواعد اللفظية والعقلية نوعُ توسُّع -إمّا في التعبير وإمّا في الفهم- اقتضى ذلك خَلَلًا إذا بَنى على تلك القواعد المحتاجة إلى تتميم، فإذا كان للإنسان فهمٌ صحيح رَدَّ الأشياءَ إلى أصولها، وقرَّر النظَر على معقولها، وبَيَّنَ حكمَ تلك القواعد وما وقعَ فيها من تجوُّزٍ أو توسُّع، فإن الإحاطةَ في الحدود والضوابط غير تحرير (١).

ومنشأ الإشكالِ أخذُ كلام بعض النحاة مسلَّمًا أن المنفي بعد "لو" مُثبَتٌ، والمثبتُ بعدها منفيٌّ، أو أن جواب "لو" منتفٍ أبدًا، وجواب "لولا" ثابت أبدًا، وأن "لو" حرف يمتنع به الشيء لامتناع غيره، و"لولا" حرفٌ يدلُّ على امتناع الشيء لوجود غيرِه مطلقًا. فإن هذه العبارات إذا قُرِنَ بها "غالبًا" كان الأمر قريبًا، وأما أن يُدَّعَى أنّ هذا مُقتضَى الحرف دائمًا فليس كذلك، بل الأمر كما ذكرناه من أن "لو" حرف شرط تدلُّ على انتفاء الشرط، فإن كان الشرط ثبوتيًّا فهي "لو" محضة، وإن كان الشرط عدميًّا مثل "لولا" و"لو لم" دَلَّتْ على انتفاء هذا العدم بثبوتِ نقيضِه، فيقتضي أن هذا الشرط العدمي مستلزم لجزائه، إنْ وجودًا وإنْ عدمًا، وأن العدمَ منتفٍ. وإذا كان عدمُ شيء سببًا في أمرٍ فقد يكون وجودُه سببًا في عدمه، وقد يكون وجودُه أيضًا سببًا في وجوده، بأن يكون الشيء لازمًا لوجود الملزوم ولعدمه، والحكم ثابت مع العلَّة المعينة، ومع انتفائها لوجود علة أخرى.

وإذا عرفتَ أنَّ مفهومها اللازم لها إنما هو انتفاء الشرط، وأنَ


(١) كذا في الأصل.