للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالإباحةِ مما يَقبِضُه الكفّار من أهلِ الحرب والذمةِ بالتأويل. وإذا كان الكفّارُ فيما يعتقدون حِلَّه إذا أسلموا لوَ تحاكموا إلينا بعد القبضِ حَكَمنا بالاستحقاقِ لمن هو في يدِه، وحَلَّلْناه لمن قَبَضَه من المسلمين منه بمعاوضة، وحَلَّلناه له بعد إسلامِه، فالمسلم فيما هو متأوِّل في حُكمِه باجتهادٍ وتقليد إذا قَبَضَه أولَى أن تَحِلَّ معاملتُه فيه، وأن يكونَ مباحًا له إذا رَجَعَ بعدَ ذلك عن القولِ الذي اعتقدَه أوَّلاً، وأن يُحكَمَ له به بعدَ القبضِ، كما لو حَكَمَ به حاكمٌ.

وقد ذكرتُ هذه المسألةَ في غيرِ هذا الموضع، وذكرتُ فيها روايتين أصحُّهما ذلك، بناءً على أنّ حُكْمَ الإيجاب والتحريم لا يثبُتُ في حكم المكلَّفِ إلاّ بعدَ بلوغِ الخطابِ، وأنَه [لا] يَجبُ عليه قضاءُ ما تَرَكَه من الواجبات بتأويلٍ، ولا رَدُّ ما قَبَضَه من المَحرَّماتِ بتأويلٍ كالكفَّار بعد الإسلام وأولَى، فإنّ المسلم في ذلك أَعذَرُ.

وتنفيرُ الكفّارِ عن الإسلام كتنفيرِ أهلِ التأويل عن الرجوع إلى الحقّ والتوبةِ من ذلك الخطأ. وهذا في الأنكحة والمعاوضات والمقاسمات.

وكذلك ما أتلَفَه أهلُ البَغْي على أهلِ العدلِ من النفوسِ والأموال، لا يَجبُ عليهم ضمانُه في ظاهرِ المذهب الموافق لقولِ جمهورِ العلماء، وهو قولُ أبي حنيفة والشافعي في أَحدِ قولَيْهِ، كما أجمعَ عليه السلفُ من الصحابة والتابعين. قال الزهري: وَقعتِ الفتنةُ وأصحابُ رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متوافرون، فأجمعوا أن كل دمٍ أو مال أو فرجٍ أُصِيْبَ بتأويل القرآن فإنه هَدَر. وذلك لأنهم متأوِّلون، وإن كان ما فَعلوه حرامًا في نفسِ الأمر.