للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَرُوراءَ" (١)

ولا منافاةَ بين القولين، فإن مثل هذا الكلام قد لا يكون للتحديد، وإنما يكون للتمثيل، كمن سُئل عن الخبز فأخذ رغيفًا وقال: هو هذا. ففسروا الضالِّين من عبَّاد الكفار وعبَّاد أهل البدع، وقد أخبر الله أنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، وأخبر أنهم يرون أعمالهم السيئة حسنةً، فهم مع رأيٍ وحسبانٍ غيرِ مطابقٍ للحقيقة.

القسم الثالث: ما يكون صالحًا، ولا يريد به فاعلُه وجه الله، وهذا أيضًا كثير، مثل ما يعمله العاملون من الأعمال الظاهرة المشروعة من إقراء العلم والقرآن، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وجهاد في سبيل الله، وعدل بين الناس، وإحسان إليهم من صدقة ومعروف وإصلاح بين الناس، ولهذا قال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (١١٤)) (٢)، وقال عن المتصدقين: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (٩)) (٣) وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "من قاتلَ لتكون كلمةُ الله هي العليا فهو في سبيل الله" (٤).

وقد ثبت في صحيح مسلم (٥) حديثُ أبي هريرة في متعلم العلم


(١) رواه الطبري في تفسيره (١٥/ ٤٢٦).
(٢) سورة النساء: ١١٤.
(٣) سورة الإنسان: ٩.
(٤) أخرجه البخاري (١٢٣) ومسلم (١٩٠٤) من حديث أبي موسى الأشعري.
(٥) برقم (١٩٠٥).