فسبب الفساد هو معصية الله، كما أن سبب الصلاح هو طاعة الله، ورأس الفساد والمعصية هو أن تعبد غير الله، وذلك هو الفساد الناشئ من أن يكون فيهما آلهة إلا الله، فإنه كما تكون حركات المتحركين صادرة عن الارادة والمحبة صارت بالقصد الأول لعبادة تلك الأمور التي لا تصلح لأن تكون هي المقصودة، بمنزلة من لا يتقوَّتُ إلا بالزجاج، ولا يشرب إلا الماء الزُّعَاق، أو لا يدفع البردَ في الأرض الباردة إلا بالثياب الرقاق، أو لا يدفع عدوَّه عنة من القتال إلا بالأيدي، ونحو ذلك من الأفعال التي يُقصَد بها جلب منفعة يحتاج إليها، ودفع مضرة لا تكون محصلة لذلك، فهذا يوجب الفساد. وقصد غير الله بالعبادة يتضمن هذا كلَّه وأضعافَه، ولهذا قيل:(إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)) (١).
فصل
وإذا كان قد تبين أن الفعل الواحد [لا] يكون من فاعلين مستقلينِ، ولا يكون مقدور واحد من قادرينِ على ذلك المقدور حالَ الاشتراك، فكذلك الفعل الواحد والقصد الواحد لا يكون لمقصودينِ مستقلين، بل كما تبين أن الحكم الواحد بالعين لا يكون لعلتين مستقلتين، فسواء في ذلك العلة الفاعلية والعلة الغائية، فمتى قصد بالفعل اثنين لم يكن الفعل لا لهذا ولا لهذا.