للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأنصار، ويومَ أُحُد أكثر القتلى كانوا من الأنصار، والقُرَّاء السبعون الذين قنت لأجلهم أكثرهم من الأنصار، ويومَ السقيفة، ويوم مُسيلمةَ أكثر القتلى من الأنصار، وكانوا أكمل بهذا الوصف فخُصُّوا به. وإلَّا فالنصرة هي الجهاد، والمهاجرون مجاهدون، ومقصود الهجرة هجر السيئات، والأنصار هجروا السيئات. فلهذا كان قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [التوبة: ٢٠] يتناول الطائفتين، ويتناول كلَّ من اتصف بذلك إلى يوم القيامة.

وهذا كنظائره إذا ذُكِر الاسم مفردًا يتناول النوعين، وإذا ذُكِر مقرونًا عُطِف أحدُهما على الآخر، كلفظ الإيمان والعمل، والإيمان والإسلام، ولفظ البِرّ والتقوى، والمنكر والفحشاء، وأمثال ذلك كما بُسِط في مواضع (١). فلما ذُكِر لفظ الأنصار مفردًا في قوله: {كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} يتناول الطائفتين، ولما ذكر الهجرة والجهاد مقرونًا تناول الطائفتين، وإذا جمع بينهما في مثل قوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة: ١٠٠] مُيِّز بينهما. وكذلك في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٢]. ألا ترى أن الذين آوَوْا ونَصرُوا هم أيضًا آمنوا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٧/ ١٤).