للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«المهاجر من هجر السيئات» (١). وهذا المعنى يثبت للأنصار ولكل مؤمنٍ هجرَ ما نهَى الله عنه إلى يوم القيامة، وهجرة الوطن بدون هذه لا تنفع، وهذه الهجرة بدون هجرة الوطن تنفع. لكن مَن هجرَ مع السيئاتِ المباحاتِ لأجل اللّهِ كهجرةِ دارِه ومالِه وأهلِه، فهذا أكمل. فالهجرة الأولى للمقتصدين، وهذه للمقربين.

ولهذا كان المهاجرون أكمل في هذا الوصف، فخُصُّوا بهذا الاسم، وقُدِّموا على الأنصار. والأنصار خُصُّوا باسم الأنصار، والمهاجرون أنصارهم أيضًا، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} [الصف: ١٤]. وهذا بعد قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف: ١٠]. وكل المؤمنين مخاطَبون بأن يكونوا أنصارَ الله.

وقد قال في صفة المهاجرين: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: ٨]، فوصف المهاجرين بأنهم ينصرون الله ورسوله. لكن الأنصار كانوا في ديارهم وأموالهم، وهم مجتمعون متناصرون، فكانوا أكمل في وصف النصر، إذ كانوا أقدرَ عليه. والمهاجرون ما قدروا على النصر إلا بهم. ويومَ بدرٍ كان ثلاثة أرباع البدريين من


(١) أخرجه ابن حبان (١٩٦) عن عبد الله بن عمرو. وإسناده صحيح.