فحمِدَ سبحانَه من هذه الأصناف الأربعة مَن آمن بالله واليوم الآخر وعملَ صالحًا، وجعلَهم من السعداء في المعاد، وهذا يُبيِّن أنّ في الصابئين من يكون سعيدًا في الآخرة حميدًا عند الله.
وكذلك قال في سورة المائدة (١): (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ)، والنصارى مقدَّمون على الصابئين كما في سورة البقرة، ويُشبه -والله أعلم- أنهم قُدِّموا هنا لفظًا لتقدُّم زمنِهم، وجيئَ بهم بَصيغة الرفع ليبيّن أن مرتبتهم التأخير، لأنّ المعطوفَ على "إنَّ" واسمِها بصيغة المرفوع إنما يُعطَف بعد تمام الكلام. والصابئ هو الخارج، ولهذا كانوا يُسمُّون مَن خَرج من دينهم الصابئَ. والعلماء وإن كانوا قد اختلفوا في الصابئين فالأشبهُ بظاهر القرآنِ والعربية وما دلَّت عليه السِّيَر وما تقتضيه أصول الشريعة: أنَّ الصابئين هم المهتدون المستمسكون بأصول دين الأنبياء، وهو المتفَّقُ عليه من الإيمان والعمل الصالح دون شريعة معينة، لأنهم يكونون بذلك يَصْدُق عليهم أنهم خارجون من خصوصِ كل شريعة، ويَصدُق عليهم أنهم آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحًا.
فأما من كان صابئًا لا يُؤمِنُ بالله واليوم الآخر و [لا] يعمل صالحًا فهؤلاء الكفّار منهم، كعُبَّاد الكواكب ونحوهم، والقوم الذين بُعِث إليهم إبراهيم كانوا صابئة، وكذلك فرعون وقومُه، وكذلك أكثر