المتكلمون للكتاب والسنة فهو باطل، فيقال: لا نُسلِّم أن معتبريهم خالفوا الكتاب والسنة؛ أو يقال: ما خالف فيه بنو آدم للأنبياء فهو ضلال، فيقال: لا نُسَلِّم أنَّ معتَبرِي الآدميين خالفوا الأنبياءَ؛ أو يقال: كُفَّارُ مكةَ من قريش والعرب في النار، فيقال: لا نُسَلِّم أن المعتبرين من أهل مكة أو قريش والعرب كفروا.
وأيضًا فقولكم -أحسن الله إليكم-: "لا أُسلِّم أن المعتبرين من المحدثين مَنَعُوا تأويلَ المعتبرين من المتكلمين"، أما الذين تَعنُون بالمعتبرين من المتكلمين لا يَخلُو: إمّا أن تُريدوا بالمعتبرين ناسًا معيَّنينَ أو موصوفينَ، فإن أردتم ناسًا معيَّنين فاذكروا مَن شِئتم من جميع أعيان المتكلمين، حتى أذكُرَ لكم أنَّ أقوامًا من أعيان المتكلمين رَدُّوا عليه تلك التأويلات وأبطلوها، فضلاً عن أهلِ الحديث. بل سَمُّوا مَن شِئتم، حتَّى أُبيِّنَ أنه نفسه يَرُدُّ بنفسِه على نفسِه، وأنّه يتأوَّلُ التأويلَ في كتابٍ، ثمَّ يمنعُه أو يُبطِلُه في كتابٍ آخر، وربما فَعَلَ ذلك في المصنَّفِ الواحدِ.
وإن أردتم بالمعتبَرِين موصوفِين، مثل أن يقال: المعتبرُ مَن له بَصَرٌ ثاقب وعلم بما يجوز ويجب ويمتنع على اللهِ وما يَسُوغُ في لسان العرب، حتى يتأوَّل بعقلِه وعلمِه ومعرفتِه بالمعقولاتِ والمسموعاتِ تأويلاً سائغًا= فهذا أوسعُ عليكم من الأول، فإن المتكلمين أنواعٌ مختلفة، وكلٌّ منهم يَرُدُّ على الآخر تأويلاتِه ويُبطِلُها ويُحرمُها عليه، بل كثير منهم يُكَفِّر الآخر ببعضِ تلك التأويلات، حتى إنّ التلميذَ منهم يُكَفِّر أستاذَه.