ثمّ إنا قد فرضنا بأن الدعوى عامة، وإنما أقمنا الدليلَ على بطلان التأويل في صفة اليد، وهي بعض صورة الخلاف، لأن هذا حكاية مناظرةٍ جَرَتْ، وكان الكلامُ في صفة اليد نموذجًا يُحتَذَى عليه غيرُه من الكلام في غيرِها.
وأيضًا فإنا قلنا:"إذا بَحثَ الإنسانُ وَجَدَ ما يقولُ المتكلمون من التأويل الذي يخالفون به أهلَ الحديث كلَّه باطلا". فكان موجبه القول بالموجب: إنّا لا نُسلِّم أن المعتبرين من المحدثين منعوا تأويلَ المعتبرين من المتكلمين، وليس هذا المنع مطابقًا للدعوى، فإنّا لم نقلْ: إن تأويل المعتبرين من المتكلمين الذين يخالفون به المعتبرين من المحدثين باطل، وإنما قلنا:"تأويل المتكلمين المخالف"، ومعلوم أن المتكلمين اسم عام، فتأويلُهم المخالفُ لأهل الحديث يَدخُلُ فيه تأويلُ كلِّ متكلم من الجهمية والنجارية والمعتزلة، بل ومن الفلاسفة والقرامطة الباطنية والإسماعيلية، فما الذي أوجبَ أن يُحملَ هذا اللفظُ العام على تأويل خاص من تأويلات المتكلمين؟
من غيرِ أن يكون في اللفظ ما يدلُّ عليه، بل تمامُ الكلام يُصرِّح بالعموم حيثُ قلنا:"أمهات المسائل التي خالفَ فيها متأخرو المتكلمين -ممن يَنتحِلُ مذهب الأشعري- لأهل الحديث ثلاثة".
فهذا يدلُّ على أن المتقدمين من المتكلمين خالفوا أهلَ الحديث في أكثر من ذلك، وهذا هو الواقع، فكيف يكون المنعُ المتوجّهُ "لا نُسلم أن معتبري المتكلمين خالفوا معتبري أهل الحديث"؟ وهل هذا إلاّ بمنزلةِ أن يُقال: ما خالفَ به الفلاسفةُ الأَنبياءَ فهو باطل، فيقال: لا نُسَلِّم أن فُضَلاءَ الفلاسفة خالفوا الأنبياءَ؛ أو يقال: ما خالفَ به