فهذا فيه نزاع مشهور (١)، يحتج به طائفة من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، كالمزني والصيرفي وأبي إسحاق بن شاقلا وأبي عبد الله بن حامد وأبي عبد الله بن الخطيب الرازي وغيرهم. وينكره آخرون، كابي حامد والطبري والقاضي أبي يعلى وابن عقيل وأبي الخطاب والحلواني وابن الزاغوني وغيرهم.
والذين أنكروه قالوا: إن الإجماع إنما كان على الصفة التي كانت قبل محل النزاع، كالإجماع على صحة الصلاة قبل رؤية الماء في الصلاة، فأما بعد الرؤية فلا إجماع، فيمتنع دعوى الإجماع في محل النزاع.
وهذا الذي قالوه نقيضُ الإجماع في محل النزاع، وهذا صحيح، والذين استدلوا به لم يَدعُوا الإجماع في محل النزاع، بل استصحبوا حالَ المجمع عليه.
قال المنكرون: فالحكم إذا كان إنما يثبت بالإجماع، يزول الحكم لزوالِ دليله، ويبقى إثباتُ الحكمِ بعد ذلك إثباتا بغير دليل.
وأما المستدِلُون فيقولون: الحكم لمّا كان ثابتًا، وعلمنا بالإجماع ثبوتَه، فالإجماعُ ليس هو علةَ ثبوته ولا سببَ ثبوته في
(١) انظر "العدّة" (١/ ٧٣)، و"التبصرة" ص ٥٢٦، و"المستصفى" (١/ ٢٢٣ وما بعدها (و) الإحكام للَامدي (٤/ ١٢٧ وما بعدها)، و"إعلام الموقعين" (١/ ٣٤١ - ٣٤٤)، و"التمهيد" للكلوذاني (٤/ ٢٥٤ وما بعدها).