للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منفصلٌ عنه. وإن كان متصلاً به فكيفَ ينزل مِن كانه إلى متصلٍ به وقائم به؟ وهل كان قبل هذا النزول في غير شأنِه ثم نزلَ إلى شأنه؟ أم لم يزل في شأنه؟

ثمّ عندكم هو الآن على ما هو عليه كان ليس معه شيء، فهذا الشأنُ الذي نزلَ إليه مِن كانِه الأوّل هو شيءٌ أم لا؟ إن كان شيئًا فقد صارَ معه شيءٌ آخر لم يكن معه، وإن لم يكن شيئًا فلم ينزل إلى شيء، فلم يَزل في كانِه ولم يتجدَّد شيء، فما الذي بدا مما بدا؟

هؤلاء قوم تخيَّلُوا خيالاتٍ فاسدةٍ، وسمعوا ألفاظًا، فوضعوها على غير مواضعها بحسب تلك الخيالات، فإذا حُقِّقَتْ معانيها جاء الحقُّ وزهقَ الباطل، إن الباطل كان زهوقا. (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (١٧)) (١).

سمعوا قوله (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩)) (٢) مع قوله "كان ولا شيء معه"، وقولُ الله ورسولي حق، فإن الله كان ولا شيء معه، وهو في كل يوم في شأنٍ من شئونه، وهو أفعالُه كما جاء في الحديث: "يَغفِرُ ذنبًا ويفرج كَرْبًا ويرفعُ قومًا ويَضعُ آخرين". ليس في هذا نزول عن كانه إلى شأنِه، وإنما هو خالق خلقَ وأبدعَ وفَطَر وأنشأ، ويُحدِث الله من أمرِه ما يشاء.


(١) سورة الرعد: ١٧.
(٢) سورة الرحمن: ٢٩.