للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المصروع، وإذا أفاق من سُكْرِه لم يعرف ما تكلَّم به الشيطان على لسانه، كما لا يَعرِف المصروع إذا أفاق ما تكلم به الشيطان على لسانه، ومثل أكل الحيّات والعقارب والزنابير، وأكل آذان الكلاب والحمير، وغير ذلك من الخبائث التي يأكلونها، والمنكرات التي يفعلونها، مثل الرقص على الغناء والمزامير، ورفع الأصوات بالخُوار كما يخور الثور، وقد قال تعالى: (واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير (١٩)) (١). وهؤلاء الضُّلَاّل الغُواة حزبُ الشيطان لا يقصدون في مشيهم، ولا يغضّون من أصواتهم، بل يرفعون الأصوات المنكرات، ويرقصون كرقص الدِّباب ونحوها من الحيوانات، ويُعرِضون عن كتاب الله وسنة رسوله، فلا يرغبون في سماع كلامِ الله وكلامِ رسوله وكلامِ الصحابة كما يرغبون في سماع مزامير الشيطان، بل سماع مزامير الشيطان أحبُّ إليهم من سماع كلام الملك الرحمن.

وقد كان أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا اجتمعوا أمروا واحدًا منهم أن يقرأ، والباقي (٢) يستمعون، وكان عمر بن الخطاب يقول لأبي موسى الأشعري: يا أبا موسى! ذَكِّرْنا ربَّنا، فيقرأ أبو موسى وهم يستمعون. ومرَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ، فقال: "مررتُ بك البارحةَ وأنتَ تقرأ، فجعلتُ أستمع لقراءتك"، فقال: يا رسول الله! لو علمتُ أنك تستمع لحبَّرتُه لك تحبيرًا (٣).


(١) سورة لقمان: ١٩.
(٢) كذا في الأصل.
(٣) أخرجه البخاري (٥٠٤٨) ومسلم (٧٩٣)، وليس عندهما زيادة قول أبي موسى في آخر الحديث. وزيادة "لو علمت ... " أخرجها البيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٢٠٣، ٢٣١) بإسناد صحيح.