للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا ثوابَ على إعانة العاكفين على القبور والمجاورين عندها بصدقةٍ ولا غيرِها، لا من العوام والفقراء ولا غيرهم. ولا يَصلُح قصدُ المقابرِ للاجتماع على صلاةٍ ولا قراءةٍ ولا غيرها، فإن هذا أعظمُ من صلاة الآحاد عندها، وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رواه أبو داود في سننه (١): "لا تتخذوا قبري عيدًا". وهذا اتخاذ القبر عيدًا يُعادُ إليه فيجتمع عنده. ولم يقل أحدٌ من علماء المسلمين أن الاجتماع هناك لقراءة القرآن أفضلُ من الاجتماع للقراءة في المساجد والبيوت، بل اتفق المسلمون على أن الاجتماع لقراءة القرآن في المساجد والبيوت أفضل من الاجتماع لقراءتهِ في مشاهد القبور. وفي الصحيح (٢) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "ما اجتمِع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتابَ الله ويتدارسونه بينهم إلا غشِيَتْهم الرحمةُ، ونزلتْ عليهم السكينةُ، وحفَّتْهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده".

ولم يقل أحدٌ من أئمة الدين أن الميت يُؤجَر على استماعِه للقرآن، وإن قال ذلك بعض المتأخرين الذين ليسوا أئمة، فإنه ثبت في الصحيح (٣) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عملُه إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية أو علمٍ يُنتَفع به أو ولدٍ صالح يدعو له".

فقد أخبر أن عملَه ينقطع من سوى المسمَّى، والاستماع الذي يُؤجَر عليه من الأعمال، والميت يسمع بلا ريبٍ، كما ثبتَ ذلك بالنصوصِ واتفاقِ أهل السنة، كما في الصحيح (٤) أنه "يسمع خَفْقَ نعالِهم حتى


(١) برقم (٢٠٤٢) عن أبي هريرة. ورواه أيضًا أحمد (٢/ ٣٦٧)، وإسناده حسن.
(٢) مسلم (٢٦٩٩) عن أبي هريرة.
(٣) مسلم (١٦٣١) عن أبي هريرة.
(٤) أخرجه أحمد (٢/ ٤٤٥) عن أبي هريرة بهذا اللفظ. وهو متفق عليه من حديث أنس.