للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) (١).

الوجه الثالث: أن الله سبحانه منَّ عليهم بالثواب على العمل وينعم عليهم بذلك، والعبد إذا عمل لسيده لم ينتظر ثوابًا غير ما يستحقه من النفقة عليه.

فهذا القائل الذي قال: "الكون كله له، ونحن نتقرب إليه منه بشق تمرة"، وقاس على هذا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكون له مثل أجرنا ويهدي إليه من ذلك ما يهديه، غالطٌ غلطًا عظيمًا. بل حقيقة هذا القول يؤدي إلى الكفر العظيم. وإن كان هذا الذي قاله لم يَفْطَنْ لما يؤدي إليه، حيث جعل حصول الثواب المُهدَى إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنزلة الصدقة التي يتقبلها الله، فجعل وصول ثواب الأعمال إلى المخلوق بمنزلة ما يتقرب به إلى الخالق من صدقة وغيرها، وأين هذا من هذا؟ كل مخلوق فهو محتاج إلى الله مفتقر إليه، والحاجة والفقر للمخلوق وصف لازم، لا يفارقه لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل العبد محتاج إلى الله من جهة ألوهيته ومن جهة ربوبيته، فهو محتاج إلى أن يعبد الله لا يعبد غيره، ومحتاج إلى أن يستعيِن بالله لا يستعين بغيره، كما قال تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)) (٢)، فإن لم يعبده بل عبدَ غيرَه أو أعرضَ عن العبادة خَسِرَ الدنيا والآخرة، وإذا وجبه سبحانه على عبادته لكان مخذولاً لا يقدر لعبده، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن،


(١) سورة النساء: ٦٩.
(٢) سورة الفاتحة: ٥.