للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا حول ولا قوة إلا به، ولا ملجأ ولا منجأ إلا إليه.

ولهذا قيل: إن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب جعل سرَّها في الكتب الأربعة، وجعل سرّ الأربعة في القرآن، وسرّ القرآن في المغصل، وسرِّ المفصل في الفاتحة، وسرّ الفاتحة في (إِيَّاكَ نَعْبدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). وهذه هي التي نصفها للرب ونصفها للعبد، فإن العبادة حقّ لله، كما قال في الصحيحين (١): إنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "يا معاذ! أتدري ما حق الله على عباده؟ "، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ "، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "حقهم عليه أن لا يعذِّبَهم".

والكلام في استحقاقه العبادة لها أسرار ليس هذا موضع بسطه، وإذا كان العباد كلهم فقراء إلى الله، والله يرحمهم بما يشاء من الأسباب، ومن ذلك دعاء بعضهم لبعض، وإحسان بعضهم إلى بعض، وإن كان هو سبحانه يثيب الداعي والمحسن، والدعاء يكون من الأعلى للأدنى، ومن الأدنى للأعلى، وليس في هذا غضاضة بالأعلى، فإن الله هو الذي أمر الأدنى بالدعاء كما أمرنا بالصلاة والسلام على خير الخلق، وهو الذي يثيبنا على ذلك بالحسنة عشرا للأمة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل لله عليه أكمل المنة والنعم، ونعمة الله عليه أعظم نعمة أنعم بها على مخلوق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وما منَّ به علينا من الثواب على الصلاة عليه وسائر أعمالنا فقد منَّ عليه بمثله، لدعائه


(١) البخاري (٢٨٥٦، ٥٩٦٧، ٦٢٦٧) ومسلم (٣٠).